تبارك الله ، الواحد الأحد.
بسم الله الرحمن الرحيم
على مدار آلاف السنين، ارتبطت الحضارة الفرعونية ارتباطاً وثيقاً بالدين، فقد اعتبره المؤرخون في حد ذاته واحداً من اهم أساسيات قيام الحضارة المصرية، منذ أكثر من 5 آلاف عام، ومن دعائم تأسيس الدولة المصرية وتوحيدها ..
استمرّت عبادة الآلهة المصـرية المتنوعة لأكثر من ثلاثة آلاف عام .. أي أن رموز الآلهة المصرية تمّت عبادتها في إطار زمني يزيد عن عمر تدين المصريين بالمسيحية والإسلام مُجتمعين!
2800 إله تقـريباً تمت عبادتهم في مصر، كرموز لكل قوى الطبيعة .. ابرزهم وأهمهم :
رع Ra
“أيها الكائن الجميل، يامن تجدد نفسك في مواقيتك.”
كان للشمس مكانة خاصة عند القدماء المصريين، فهم يعتبرونها مصدر الحياة، لذلك اتخذوها إلهاً وأطلقوا عليه اسم رع، ورع هو إله الشمس وخالق الكون، أحد أشهر الآلهة في الديانة المصرية القديمة، كما أنه يرأس التاسوع المقدس، الذي يضم الآلهة المعنية بعملية بدء الخلق.
ويعتقد القدماء المصريين بأن غروب الشمس يعني بدء رحلة رع اليومية، والتي يسافر فيها بمركبه المقدس إلى العالم السفلي كل مساء، ليحارب قوى الشر الممثلة في أفعى كبيرة تسمى أبوفيس، ثم يعود منتصراً مشرقاً في أعالي السماء كل صباح يوم جديد، هذا البعث اليومي لرع اعتبره المصري القديم إشارة لبعث الإنسان، ودليل أيضاً على انتصار الإله رع على قوى الفوضى والشر.
وقد اندمج رع مع عدة آلهة، منهم الإله آمون، وذلك تحت اسم ” آمون – رع Amun-Ra “، وأمون رع هو الوجه الخفي لرع، كما اندمج أيضاً مع الإله حورس، ليصبح رع- حوراختي وذلك عندما تم توحيد الشمال والجنوب..
حيث كانت عبادة رع كانت منتشرة في الشمال، وعبادة حورس منتشرة في الجنوب، فقام الكهنة بتوحيد الإلهين ليصبحا إلهاً واحداً تحت اسم “رع- حوراختي Re-Hor-achti ” الذي يتمثل في صورة رجل له رأس صقر رمز (الإله حورس)، ويحمل فوق راسه قرص الشمس رمز ( الإله رع).
آمون Amun
“ھا أنا أشدو من أجلك، وقد انتشیت ببھائك وروعتك، ووضعت يداي على قیثارتي لأغني لك.. إنني ألقن أطفال المغنین وأعلمھم كیف يترنمون فى روعة وبھاء وجھك”.
آمون هو إله الشمس والخصوبة، وهو الوجه الخفي لرع، ويتم تصويره دائماً على هيئة رجل يلبس تاجاً يخرج منه ريشتان، واسم آمون يعني الباطن أو الغيب أو الخفي، لذلك كان التواصل معه بالصلاة والمناجاة فقط، وصدق الإنسان في مناجاته هو الطريق الوحيد للإله آمون، لذلك كان يمتلك شعبية كبيرة، خاصة بين الفقراء الذين لا يملكون شيئاً سوى مناجاة الإله والخضوع له، في وقت تنتشر فيه عبادة الآلهة بتقديم القرابين والماديات.
وكان آمون مختلفاً عن كل الآلهة الأخرى، فغيابه عن الصورة وكونه خفي يتم الاتصال به روحياً فقط، جعلت عبادته قريبة كونها عبادة توحيدية، فأصبح هو الإله الأوحد وكل الآلهة الأخرى صورة منه وانعكاس له، ومن أشهر ألقاب آمون رع لقب “حامي الدرب”.
وبعد اندماجه وتوحده مع رع، ظهر في صورة الإله إيمين-رع ، فأصبح ظاهراً وخفياً في آن واحد، ظاهراً في صورة رع الذي يتجلى على عباده في هيئة الشمس، وخفياً وغامضاً ومنفصلاً عن العالم بصفته آمون، والنطق الصحيح لاسم الإله ليس آمون كما هو معروف، بل “إيمين” مع إمالة الكسر إلى الفتح، فالكتابة الهيروغليفية تستعمل الحروف الساكنة فقط.
حورس Horus
” أيا بن أوزيريس، الذى ولدته إيزيس، أيھا الإله الأعظم فى معبد إينوت، أيا حورس الشاھر لسلاحك”
هو إله الحرب والعدالة، ابن إيزيس وأوزوريس، يتجسد حورس في هيئة صقر، لقب بحامي أبيه لانتقامه من عمه “ست” إله الشر، وبعد انتصار حورس في معركته الشهيرة مع عمه أصبح إلهاً للحياة ورمزاً للعدالة، يستعين به كل الملوك الذين حكموا مصر أملاً وطمعاً في تحقيق العدالة كما فعل حورس، ولقب حورس بألقاب عديدة، كحورس الحكيم، والمخلّص، وذاك الذي في الأعالي.
منح حورس عينه لأبيه في محاولة منه لإعادة الحياة له، ومنذ تلك اللحظة اعتبرت عين حورس رمزاً دينياً هاماً عند المصريين القدماء، وأطلقوا عليها “العين التي ترى كل شيء”، واتخذها الناس كتميمة لحماية أنفسهم من الشرور، فكانوا يعلقونها بالمنازل والسفن وعلى العربات الحربية طلباً للعون والحماية من حورس.
أوزيريس Osiris
“سلاماً علیك أيا أوزيريس، رب الأبدية، ملك الآلھة جمیعاً، المتعدد الأسماء”
كان أوزوريس إلهاً للحياة والخصوبة في الدنيا، قبل أن يقتله أخوه الإله “ست” إله الشر، ليصبح إلهاً للموتى والحساب في العالم السفلي، يتمثل أوزوريس في صورة رجل على رأسه التاج الأبيض لمصر العليا، ولديه لحية مستعارة، ويمسك بين يديه صولجان، وهو يضم ذراعيه بشكل متقاطع.
هو الابن الأكبر لإله الأرض جب، وإلهة السماء نوت، وهو من ضمن تاسوع هيليوبلس أو التاسع المقدس، لقب بملك الأحياء، ورب الحب الذي يبقى لطيفاً وشاباً إلى الأبد، وسيد الصمت.
إيزيس Isis
“أنا كل ما كان وكل ما سيكون ولا يوجد فانٍ قادر على كشف حجابي”
هى إلهة الأمومة والسحر، أخت الإله أوزوريس وزوجته العاشقة الوفية، التي غدت مثالاً للحب والوفاء، تتمثل إيزيس دائماً في صورة امرأة تحمل العرش على رأسها، وفي يدها مفتاح الحياة.
لقبت بالأم الكونية، وووالدة كل المخلوقات، فهى أم الإله حورس، الذي أنجبته بفعل السحر بعدما أعادت الحياة لزوجها أوزوريس الذي تآمر عليه أخيه “ست” إله الشر وقلته، فأنجبت حورس لينتقم لأبيه وقد كان.
وتشتهر إيزيس بجملتها الشهيرة، من ألقابها أيضاً: صاحبة العرش، وربة الأسرار، وإلهة كل البدايات.
آتون Aton
“ھا أنت تتألق جمالاً وروعة فى أفق السماء.. أيھا الخالد أبداً آتون أيا أول الأحیاء”
بعدما وصلت عبادة آمون إلى أوجها، انتشر تقديس الشمس وأطلقوا عليها آتون، الإله الذي أعلن عنه الملك إخناتون في دعوته لديانة توحيدية جديدة، ويتمثل آتون في شكل قرص الشمس بأشعتها الواضحة التي تنتهي بأيادي بشرية تمسك بمفتاح الحياة.
وبعد وفاة إخناتون عاد آتون واحداً من ضمن الآلهة المصرية، وتلاشت تماماً دعوته التوحيدية، ومن ألقاب آتون: الحرارة المنبثقة من قرص الشمس رب الأفقين، والذي يتلألأ في أفقه باسمه، وأخيراً والد رع الذي عاد إلينا كآتون.
حتحور Hathor
“هي حتحور ستجعل وجهك كاملاً بين الآلهة، وستفتح عينيك بحيث ترى كل يوم، وستعظم مكانك وستجعل صوتك يتغلب على أعدائك.”
هى ابنة رع وآلهة الموسيقى والحب والجمال، تتمثل في صور كثيرة، فأحياناً يتم تصويرها على هيئة بقرة، وأحياناً على هيئة امرأة تحمل الشمس فوق رأسها بين قرني بقرة، وأحياناً أخرى تتمثل في صورة امرأة برأس بقرة، والبقرة هنا رمز للسلام والحب.
لقبت بعين رع التي دمرت أعداءه، واسم حتحور يعني ملاذ حورس، فهي التي أوت حورس وقامت بالعناية به بعد رحيل أمه إيزيس للبحث عن أشلاء أوزوريس، لذلك تعتبر أيضاً رمزاً للأمومة، وكثيراً ما اتخذها النساء قدوة ومثالاً يحتذى به في العطاء والحب، ومن ألقابها أيضاً؛ ملكة الرقص وعشيقة الفرح.
نوت Nut
” أنتِ الممجدة في السماء، والقادرة على الأرض، وملكة العالم السفلي.”
نوت هى إلهة السماء ووالدة رع، من أقدم وأهم الآلهة في الديانة المصرية القديمة، كما أنها من ضمن تاسوع هيليوبلس، أي أنها ضمن الآلهة التسعة المعنيين ببداية الخلق. نوت هي أخت الإله “جب” إله الأرض، والدهما هو الإله”شو” إله الهواء، أما أمهما فهى الإلهة “تفنوت” إلهة الرطوبة والمطر.
تتجسد نوت على هيئة امرأة مرصعة بالنجوم، تغطي العالم بجسدها من شرقه إلى غربه، لقبها المصريون القدماء بألقاب كثيرة؛ كمغطية السماوات، والتي تحمل ألف روح، وتلك التي تحمي، وحامية الأموات حيث كانوا يعتبرونها آلهة الموتى أيضاً، ولذلك كانوا يرسمونها داخل توابيت الموتى، لتحمي الميت وترافقه في رحلته إلى العالم الآخر.
جب Geb
جب هو إله الأرض ، ويتمثل في صورة رجل لونه أخضر، ويصور أحياناً أخرى في شكل رجل يحمل على رأسه إوزة، ودائماً ما يظهر جب مستلقياً على الأرض وتعلوه نوت باعتبارها السماء.
وهناك اعتقاد في الديانة المصرية القديمة يقول بأنه لولا زواج جب من نوت لما وجدت الحياة، فضلاً عن أنهما بزواجهما أنجبا جميع الآلهة المعبودة كما أنهما أنجبا الشمس أيضاً، لذلك يعتبر جب أباً للآلهة، وبعدها قام “شو” إله الهواء بالفصل بينهما ليفترقا إلى الأبد، حيث سكنت نوت علياء السماء، بينما ظل جب على الأرض يهب الناس الماء والزرع.
وجب هو المسؤول عن كل ما يحدث على الأرض، بداية من إنبات الزرع وحتى الزلازل والفيضانات، وكان لدى المصريين القدماء اعتقاد طفولي بأن ضحكات جب هي التي تسبب الزلازل، وأن عطفه ورحمته يجعلان الأراضي تنبت بالزرع.
سخمت Sekhmet
” تلك السيدة العظيمة محبوبة بتاح .. سيدة الأرضيين.”
هى ابنة رع المقاتلة الشرسة وسيدة الأرضين كما أطلق عليها القدماء المصريون، إلهة الحرب والدمار التي أرسلها رع لمعاقبة المتمردين والخارجين عن عبادته، تتجسد سخمت في هيئة امرأة برأس لبوة، وعلى رأسها الشمس مطوقة بثعبان الكوبرا، وتمسك بيدها مفتاح الحياة. واسم سخمت يعني القوية.
تمثل مصدراً للقوة عند القدماء المصريين، فلطالما استعانوا بها في أوقات الحرب، ولأن قوتها وشراستها لا متناهية كانوا بعد كل حرب يصلون ويقيمون الطقوس والشعائر رجاءً وطلباً منها أن توقف الحرب والقتال والموت.
لقبت بألقاب كثيرة أبرزها؛ ابنة رع، وربة النار، وربة الذبح، وسيدة الحرب، وأخيراً السيدة العظيمة محبوبة بتاح، كل هذه الألقاب تدل على مدى قوتها.
****************
إلى جـانب هذه الآلهة – التى يمكن اعتبارها الآلهة الأهم ، أو الـ Supreme Gods – يوجد المئات منها شُيدت لها المعابد والجداريات العملاقة، كدليل أن مصر لم تخلُ على مدار تاريخها الطويل من مفهوم الدين أبداً، وأن بلاد النيل اعتبرت واحدة من أهم الحضارات حول العالم التي ارتبط إبداعها بمبادئ الدين، والسلطة الرمزية للحاكم كظل الإله على الأرض..